عشر فأضعفت لدى مواطنيها روح المقاومة ضدّ أعدائها الطامعين بها، فلما غزاها نابليون لم يثبتوا أمامه، غذ لم تكن لديهم روح المقاومة نتيجة تأثير انتشار فكرة "العالمية" فيهم، إن الجنود كانوا ينهزمون من ساحة القتال، تاركين أسلحتهم فيها، دون أن يحاولوا استعمالها لصد غارة العدو الزاحف إلى بلادهم.
وهذا الذي حدث وما كان بعده، قد بدّد عند الألمان أحلام "العالمية" وأماني "الإنسانية" التي كانت مستولية على نفوسهم.
٤- إن دعاة السلم العام، والأخوة البشرية الشاملة، الذين ظهروا طوال القرن التاسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين - حتى الحرب العالمية- كانوا يتكهنون بقرب تحقق أحلامهم وأمانيهم.
غير أن الوقائع والحوادث كانت تأتي على الدوام معاكسة لتلك الأماني والأحلام.
٥- إن النزعات القومية والوطنية كانت أقوى في الواقع من "الإنسانية"، و"العالمية" ودعوة الأخوة البشرية، إذ قامت الحروب والصراعات القومية، فاضمحلت بها فكرة "الإنسانية"، وغدت أحلاماً تراود بعض المفكرين، ولم يصبح لها تأثير على الرأي العام في أي بلد من بلدان العالم.
* * *
كشف الزيف في دعوة الإنسانية:
لا يهمني ولا يعنيني هنا التعرض لما أورده "ساطع الحصري" في انتقاده "الإنسانية" خدمة للوطنية والقومية، فكثير مما أورده لا اعتراض لي عليه، ولكن لإسقاط فكرة "الإنسانية" أو "العالمية" وفق المفهوم الذي وضع لها، لا لخدمة القومية أو الوطنية، بحسب مفهوم القوميين، أو الوطنيين، الذين يريدون الاقتصار على الرباط القومي، أو الرباط الوطني، في تكوين الأمة.
لدى كشف زيف دعوة "الإنسانية" أو "العالمية" لا بد لنا من بحث