للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تطوراً ذاتياً تصاعدياً، من أدنى الكائنات الحية حتى الإنسان الذي هو أعلاها كمالاً.

وكانت "الأميبا" هي أدنى الكائنات الحية في التصور، ثمّ جاء التصحيح إلى "الباكتيريا" التي هي أدنى من الأميبا بعد اكتشافها، ثمّ جاء التصحيح إلى "الفيروس" الذي هو أدنى من الباكتيريا بعد اكتشافه، فالفيروسات في نظرهم الآن تتوسط الحدّ الفاصل بين الحي وغير الحي.

كشف الزيف

لكن هذا الاستنتاج استنتاج احتماليٌّ نظري، وليس أمراً علمياً مؤيداً بشواهد من الواقع، إذ لم يلاحظ الباحثون في الطبيعة ولا في المختبرات حالة واحدة من حالات التطور المتخيّلة في الاستنتاج، لكنّ التخيل طرح ذلك على الأحقاب الزمنية الغابرة، وتخلّص من المطالبة بالشواهد من الواقع.

على أن التطور لو ثبت علمياً بشواهد من الواقع في الطبيعة، فإنه لا يفيد أن التطور حدث ذاتياً، بل النظرة الإيمانية القائمة على ملاحظة الحكمة في الخلق تقم البرهان على أن خطة الخالق قد رتّبت عمليات الخلق وفق سنة التطور، كما رتبت عمليّة خلق الإنسان وفق أطواره حتى يكون نطفة، فجنيناً، فطفلاً، فيافعاً، فبالغاً أشده، فما وراء ذلك من أطوار.

ومن البَدهيّ أن التشابُه في الأنواع المختلفة لا يقتضي النسب بينها، ولا يستلزمه عقلاً، فالأمر يتوقف على ثبوت ذلك النسب بشكل واقعي، نعم قد يكون إحدى الأمارات الضعيفة.

وكذلك تأخر ظهور بعض الأنواع الراقية عن أنواع سابقة لها في الوجود، لا يقتضي أن السابق أبٌ أو جدٌ لما ظهر بعده، إذ الاحتمال الأقرب للتصور أن يكون مبدع النوع الأول قد أبدع بعده النوع الأرقى، ثمّ أبدع بعد ذلك الأرقى فالأرقى، ثمّ أبدع أخيراً الإنسان.

<<  <   >  >>