للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أوقف القرآن الباحثين في الكون عند حدود ما شهدوه منه، فقال الله عز وجل في سورة (الكهف/١٨ مصحف/٦٩ نزول) :

{ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً *} .

والحجة الثانية لإيقاف هذه النظرية عند حدها الزمني، تقدّمها الأدلة العلمية والعقلية، التي تثبت أن لهذا الكون بداية، وإثبات أن لهذا الكون بداية يستلزم بداهةً أنه لم يكن ثم كان، فهو إذن مخلوق من العدم، بقدرة خالق موجود أزلي واجب الوجود لذاته.

بهذا وضح لدينا أن هذه النظرية لا تتحدث عن الانطلاقة الأولى للكون، لأن أياً من الأجهزة العلمية لا تستطيع أن تسترجع الأزمان السحيقة، وترصد الكون فيها.

وكذلك لا تستطيع النظرات التحليلية الاستنتاجية، أن تحكم على ماضي الكون وانطلاقته الأولى، بالقياس على واقعه النظامي الذي نشاهده في الحاضر، لاحتمال الاختلاف الكبير بين نقطة البدء، وبين ما يأتي بعدها من حالات نظامية مستمرة، وسنن ثابتة.

إن نقطة بدء خلق الإنسان لا تشبه الحالة المستمرة له بعد أن صار سويّا يمشي على الأرض.

إذن: فنظريّة "لا فوازييه" لا تتناول بحالٍ من الأحوال الزمن الأول لبداية الكون، ومجالها ينحصر في الأزمان التي يترجّح فيها قيام النظام الكوني الذي درسته هذه النظرية.

وبهذا يتبين لنا أن التعميم الزمني فيها، الشامل لكل أزمان الماضي، تعميم غير صحيح إطلاقاً.

فاللعبة الفكرية التي يلعبها المادّيون هنا هي لعبة التعميم الفاسد، الذي لا سند له إلا الادعاء، ومعلوم بداهة أن الادعاء وحده من غير دليل

<<  <   >  >>