للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان لما من الشغف بهذه العلوم والعشق لها ما يلهينى عن المطعم والمشرب، إذا فكرت في بعضها، فخلوت بنفسى في بيت، وحللت جميع تلك الكتب وشرحتها، ورددت على من أخطأ فيها، وأظهرت أغلاط مصنفيها، وعرَّبتُ ما عجزوا عن تصحيحه وتحقيقه، وأدركت على إقليدس في ترتيب أشكال كتابه، بحيث أمكننى إذا غيرت نظام أشكاله، أن أستغنى عن عدة منها لا يبقى إليها حاجة بعد.

وكتاب إقليدس معجز لسائر المهندسين، إذ لم يحدثوا أنفسهم بتغيير نظام

أشكاله، ولا بالاستغناء عن بعضها، كل ذلك في هذه السنة، أعني الثامنة عشرة من مولدى، واتصلت تصانيفى في هذه العلوم منذ تلك السنة وإلى الآن، وفتح الله علىَّ كثيرًا، مما ارتج على من سبقنى من الحكماء المتدربين، فدونت ذلك، لينتفع به من فُتح عليه. في خلال ذلك ليس لي مكسب إلا بضاعة الطب، وكان لي منها أوفر حظٍ، إذ أعطانى الله من التأييد فيها ما عرفت به كل مرض يقبل العلاج من الأمراض التي لا علاج لها، فما عالجت مريضًا إلا وعوفي، وما كرهت علاج مريض إلا وعجز عن علاجه سائر الأطباء، وكاعوا من تدبيره، فالحمد لله على جزيل مننه، وعظيم فضله.

واتضح لي، بعد مطالعة ما طالعته من الكتب التي بالعراق والشام وأذربيحان

وكوهستان، الطريق إلى استخراج علوم كثيرة، واختراع أدوية لم أعرف أنى

سبقت إليها، مثل الدريات الذي وسمته بالخلص ذى الكوة النافذة، وهو يبرئ من عدة أمراض عشرةٍ في بعض يوم، وغيره من الأدوية التي ركبتها مما فيه منافع وشفاء للناس، بإذن الله تعالى.

<<  <   >  >>