فمكثتُ برهةً أعتقد ذلك من غير أن ألتزم الفرائض الإسلامية، مراقبة لأبي،
وذلك أنه كان شديد الحب لي، قليل الصبر عني، كثير البرّ بي، وكان قد أحسن تربيتي، إذ شغلني منذ أوَّل حداثتي بالعلوم البرهانية، وربى ذهني وخاطري في الحساب والهندسة العلمين اللذين مدح أفلاطون عقل من يتربى ذهنه في النظر فيهما.
فمكثت مدة طويلة لا يفتح علىَّ وجه الهداية، ولا تنحل عنى هذه الشبهة،
وهى مراقبة أبي، إلى أن حالت الأسفار بينى وبينه، وبعدت داري عن داره،
وأنا مقيم على مراقبته، وألتزم من أن أفجعه بنفسى، وحان وقت الهداية،
وجاءتني الموعظة الإلهية، برؤيتى للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، في ليلة الجمعة تاسع ذى الحجة، سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وكان ذلك بمراغة من أذربيجان.
وهذا شرح ما رأيت:
[المنام الأول]
رأيت كأن في صحراء فيحاء مخضرَّة، يلوح من شرقيها شجرة عظيمة والناس
يهرعون إلى تلك الشجرة .. فسالت بعضهم عن حال الناس؟ .. فقال: إن تحت الشجرة شموائيل النبي جالسا، والناس يسلمون عليه، فسررت بما سمعته، وقصدت الشجرة، فوجدت في ظلها شيخًا جسيمًا بهيًا وقورًا، شديد بياض الشعر، عظيم الهيبة، بيده كتاب ينظر فيه، فسلمت عليه، وقلت بلسان عربي: السلام عليك يا نبي الله.