ثم أخذ المصحف من يدي، وانصرف مغضبًا، فارتعدت لغضبه وازدجرت
لموعظته واستيقظت مذعورًا، فجلست، وكان وقت السحر والمصباح يقدنى غاية استنارته، فتذكرت المنام جميعه، فإذا أنا قد تخيلته لا يذهب علىَّ منه شىء، فعلمت أنَّ ذلك لطف من الله، سبحانه، وموعظة لإزالة الشبهة التي كانت تمنعني من إعلان كلمة الحق، والتظاهر بالإسلام.
فتبت إلى الله من ذلك واستغفرته، وأكثرت من الصلاة على رسول الله
المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وأسبغت الوضوء، وصليت عدة ركعات لله، تعالى، وأنا شديد الفرح والسرور بما قد انكشف لي من الهداية.
[المنام الثاني]
ثم جلست متفكرًا فغلب علىَّ النوم عند تفكُّرى، ونمت فرأيت كأنى جالس فى سكةٍ عامرة لا أعرفها، إذْ أتانى آتٍ عليه ثياب المتصوفة وزي الفقراء، فلم يسلِّم علىَّ لكنه، قال: أجب رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم. فهبته وقمت معه مسرورًا مستبشرًا بلقاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسار بين يدى وأنا من ورائه، حتى انتهى بي إلى باب دان فدخله واستدخلنى، فدخلت وراءه وسرت خلفه في دهليز طويل قليل الظلمة إلا أنه مظلم، فلما انتهيت إلى طرف الدهليز.
وعلمت أنه حان إشراقى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، هبت لقاءه هيبة شديدة، فأخذت فى الاستعداد للقائه وسلامه، وذكرت أنى قد قرأت في أخباره - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان إذا لقى فى جماعة قيل: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وإذا لقى وحده، قيل: السلام
عليك يارسول الله ورحمة الله وبركاته .. فعزمت على أنى أسلم عليه سلامًا عامًا لتدخل الجماعة في السلام، لأنى رأيت ذلك كأنه الأوْلى والأليق.
ثم أشرفت على صحن الدار، وكان مقابل الدهليز مجلس طويل، وعن يسرة
الداخل مجلس آخر، وليس من الدار غير هذين المجلسين، وفى كل واحد