من المجلسين رجلان لا أحقق الآن صور أولئك الرجال إلا أنى أظنُّ أكثرهم
كانوا شبانًا، لكنهم كانوا متأهبين للسفر، فمنهم من يلبس ثيابًا للسفر،
وأسلحتهم قريبة منهم.
ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قائمًا فيما بين المجلسين، أعني في الزاوية التي في ذلك - الركن من أركان الصحن، وكأنه قد كان في شغل وقد فرغ منه، وانقلب عنه يشرع فى غيره، ففجاته بالدخول عليه قبل شروعه في غيره.
وكان - صلى الله عليه وسلم - لابسا ثياب بيض وعمامته معتدلة اللطافة، وعلى عنقه رداء أبيض حول عنقه، وهو معتدل القامة جسيم نبيل، معتدل اللون بين البياض والحمرة واليسير من السمرة، أسود الحاجبين والعينين، وشعر محاسنه يصف كأنه شعرة وشعرة، ومحاسنه أيضًا معتدل بين الطول والقصر.
ولما دخلت عليه ورأيته، التفت إلى ورائى، فأقبل علىَّ مبتسمًا وهش إلى جدًا، فذهلت - لهيبته - عما كنت قد عزمت عليه من السلام فسلمت عليه سلامًا خاصًا، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، وألغيت الجماعة، فلم ألتفت ببصرى ولا بقلبى إلا إليه، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ولم يكن بين تسليمى عليه وبين سعيي إليه توقف، ولا زمان بل جريت إليه مسرعا وأمددت بيدى إلى يده، ومد يده الكريمة إلىَّ فأمسكتها بيدى.
وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وذلك أنه خطر بقلبى أن النجاة، منهم من زعم أن الأسماء الأعلام هى أعرف المعارف، ومنهم من يقول أن الأسماء المضمرة هى أعرف المعارف، وهو الصحيح، لأنَّ الكاف من قولي " أنك " لا يشارك المخاطب فيه أحد، لأنها لا تقع إلا عليه وحده.
فرأيته قد ملئ ابتهاجًا، ثم جلس في الزاوية التي بين المجلسين، وجلست بين
يديه، وقال: تأهب للمسير معنا إلى غمدان للقراءة. فلما قال ذلك، وقع في نفسي أنه يعنى المدينة العظمى التي هى كرسى ملك الصين، وأن الإسلام لم يستول عليها