بعد وكنت قد قرأت قبل ذلك أن الطريق الأقرب المسلوك إلى الصين في البحر الأخضر، وهو أشد البحار أهوالاً، وأعظمها أخطارًا.
فلما سمعت ذلك القول من النبي - صلى الله عليه وسلم -، خفت من ركوب البحر ..
وقلت في نفسي إن الحكماء لا يركبون البحار، فكيف اركب البحر، .. ثم قلت فى نفسى أيضًا من غير توقف: يا سبحان الله أنا قد آمنت بهذا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبايعته، أفيأمرنى بأمر، ولا أتابعه؟! .. فإذًا بالمبايعة نكون متابعين له، وعزمت على السمع والطاعة. ثم وقع - لي خاطر آخر.
وقلت إذا كان معنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإن البر والبحر يكونان مسخرين لنا، ولا خوف علينا من سائر الأخطار، وطاب قلبى بذلك، وحسن يقينى وقبولى، وأنا أذكر أن هذه الأفكار والخواطر خطرت لي، وأنا بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير توقف، أعني من غير توقف، يستبطئ به إجابته، فما كان بأسرع
من أن قلت له: سمعًا وطاعة يا رسول الله .. فقال: على خيرة الله تعالى ..
فقمت بين يديه وخرجت، فما وجدت في الدهليز من الظلمة التي كانت فيه عند الدخول، فلما خرجت من الدار، ومشيت قليلاً وجدت كأنى في سوق مراغة فيما بين الصيارف وبين المدرسة القصويَّة، وكأنى أرى ثلاثة نفر عليهم زي المتصوفة، وثياب الزهاد، ومنهم من على بدنه صدرة صوف خشن أسود، وعلى رأسه مئزر من جنسها، وبيده قوس ملفوفة في لباد خلق، وبيده الأخرى حربة نصابها من سعف النخل، والآخر متقلد سيفًا غمده من خوص النخل، لأنه كان قد انطبع فى خيالى منذ كنت صغيرًا حين قرأت أخبار ظهور دولة الإسلام كيف أن أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - ضعفاء وفقراء، وليس لهم من الآلات إلا شبيهًا بما ذكرنا، وأنهم كانوا
مع ذلك ينتصرون على الجيوش الكثيفة والخيول الربدة، ذوى الشوكة القوية.
فلما رأيت النفر الثلاثة .. قلت: هؤلاء المجاهدون والغزاة، وهؤلاء أصحاب
النبى - صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء أسافرُ وأغزو، وكانت الدمعة تبدر من عينى لنى النوم، لفرط سرورى بهم وغبطتي إياهم.