ثم استيقظت والصبح لم يسفر بعد، فأسبغت الوضوء وصليت الفجر، وأنا
شديد الحرص على إشهار كلمة الإخلاص وإعلان الانتقال إلى دين الإسلام،
وكنت حينئذ بمراغة من أذربيجان في ضيافة الصاحب الأمجد فخر الدين عبد
العزيز محمد بن محمود بن سعد بن على بن حميد المصرى، رحمة الله عليه، وكان قد أبلى من مرض قد عافاه الله منه فتقدمت، فدخلت إليه في أوائل نهار الجمعة المذكور يومئذ، وعرَّفته أن الله قد رفع الحجاب عنى، وقد هداني، فما أعظم استبشاره يومئذ بذلك، وقال: والله إن هذا الأمر ما زلت أتمناه وأترجاه، وطالما قد حاورت قاضي القضاة صدر الدين في ذلك، وكنا جميعًا نتأسف على علومك وفضائلك، بأن لا تكون إسلامية، فالحمد لله على ما ألهمك له من صلاح وهداية، وعلى استجابة دعائنا في ذلك .. فقل لي كيف فتح الله ذلك عليك، وسهله بعد إرتاجه وامتناعه؟ .. فقلت: ذلك أمر أوقعه الله تعالى في نفسى بالإلهام والفكر، ودليله العقلى وببرهانه قد، كنت قديمًا أعرفه، ودليلهُ من التوراة، إلا أنى كنت
أراقب أبي وأكره أن أقبحه بنفسى قديما من الله، تعالى، الآن فقد زالت عنى هذه الشبهة، مد يدك أن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
فقاْم الصاحب لفرط سروره قائمًا واهتز فرحًا، وكان قبل ذلك لا يقوم إلا
بالتكلف، وغاب عنى، واستجلسنى إلى عودته، وأفاض من الملابس أجلها،
وحملنى من المراكب أنبلها، وأمر خواصه بالسعى إلى الجامع بين يدى، وكان
الصاحب قد تقدم إلى الخطيب بالتأخير والتوقف إلى وقت حضورى للمسجد، لأن الوقت ضاق إلى أن فرغ الخياطون من خياطة الجبة، التي أمر الصاحب بتفصيلها، فسرت إلى الجامع، والجماعة في انتظارى، وارتفع التكبير من جماعة أهل المسمجد حين أشرفت عليهم، وارتج المسجد الجامع من صلاتهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم رقى الخطيب المنبر، ومن بعد صلاة الجمعة وعظ الناس القاضى صدر الدين وملك الوعاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، وأطنب في مدحى وإحماد ما الدنى الله به من التيقظ والهداية، وبالغ في ذلك مبالغة تجاوز حد الوصف، وكان أكثر المجلس متعلقًا بي.