وإن زعم أن العلة في صحة ما نقله عن أبيه أن أباه يرجح على آباء الناس
بالصدق والمعرفة، كما تدعى اليهود في حق آبائها، لزمه أن يأتي بالدليل على أن أباه كان أعقل من سائر آباء الناس وأفضل، فإن هو ادعى ذلك كذب فيه، لأن من هذه صفته، يجب أن يستدل على فضائله بآثاره.
وقول اليهود باطل. بأنه ليس لهم من الآثار في العالم ما لغيرهم مثله، بل
على الحقيقة لا ذكر لهم بين الأمم الذين استخرجوا العلوم الدقيقة، ودونوها لمن يأتى بعدهم.
وجميع ما نسب إليهم من العلوم مما استفادوه، من علوم غيرهم لا يضاهى
بعض الفنون الحكمية التي استخرجها حكماء اليونان، والعلوم التى
استنبطها النبط.
وأما تصانيف المسلمين فيستحيل لكثرتها أن يقف أحدٌ من الناس على جميع ما
صنفوه في أحد الفنون العلمية، لسعته وكثرته. وإذا كان هذا موقعهم من الأمم، فقد بطل قولهم: إن آباءهم أعقل الناس وأفضلهم وأحكمهم ولهم أسوة بسائر آباء الناس المماثلين لهم من ولد سام بن نوح، عليهما السلام.
فإذا أقروا بتأسى آبائهم بآباء غيرهم، وعلموا بأن آباء غيرهم قد لقنوهم
الكفر. لزمهم أن شهادة الآباء لا يجوز أن تكون حجةً في صحة الدين، فلا يبقى لهم حجة بنبوة موسى، عليه السلام، إلا شهادة التواتر، وهذا التواتر موجود لعيسى ومحمد، كوجوده لموسى، عليهم السلام.