وحيث تقرر بما لا يدع مجالا للشك، وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، فقد أكد الله على ذلك، وجعل هذا الأمر من سمات المؤمنين العملية، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)[المائدة: ٥٤] وقال تعالى (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: ٢٩].
قال بعض المفسرين: إن من يتول الكفار منكم أيها المسلمون فيرتد بالموالاة لهم، فليعلم أن الله تعالى، يأتي بقوم آخرين ينصرون هذا الدين على أبلغ الوجوه.
وقال الحسن: علم الله تعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد دخولهم فيه، بسبب موالاتهم للكفار، فأخبر هؤلاء بأنه سبحانه وتعالى غني عنهم، وأنهم لن يضيروا (١) الإسلام شيئا بنكولهم عنه، حيث إنه تعالى سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وأن هؤلاء بردتهم تلك لن يضروا سوى أنفسهم، بحرمانها من منهج الحق والصواب.
وقد وصفت آية المائدة السابقة المؤمنين المحبوبين عند الله المحبين له بأنهم أذلة أي: جمع ذليل؛ لأن ذلول والذل نقيض الصعوبة لا يجمع على أذلة، وإنما يجمع على ذلل، وليس المراد أنهم مهانون عند المؤمنين بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب، فإن من كان ذليلا عند إنسان فإنه لا يظهر الكبر والترفع عليه ألبتة.
ولتضمن الذل معنى الحنو والعطف، وعدي بعلى دون اللام، كأنه