للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البراءة من الأوثان المعبودة، ومثل ذلك قول الله تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: ٤٨] فقد اعتزالهم على اعتزال معبوداتهم وقال تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم: ٤٩] فقد اعتزالهم على اعتزال ما يعبدون وقال تعالى: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ) [الكهف: ١٦] الآية. فأشار إلى اعتزالهم واعتزال ما يعبدون من دون الله، وهذه أدلة كافية في وجوب مباينة الكفار، ومباينة الأفعال الخاصة بهم لمن كان قصده الحق والاهتداء بهداه، فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي المشركين ولا يعتزلهم فلا يكون بذلك مسلما، لأنه بعمله هذا مخالف لملة جميع الرسل، فلم يقل ولم يفعل كما أمره الله، وكما ذكر الله عن أبينا إبراهيم عليه السلام حيث يقول: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: ٤] فتأمل كيف قدم الباري جل وعلا العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية.

فالإنسان قد يبغض الكفار ولا يعاديهم، فلا يكون آتيا بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء معا، ولا بد من أن تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين باديتين لكل ذي عينين، وأن يستمر على ذلك إلى غاية أن يسلم الكافر، ويدخل في عداد المؤمنين، ولا يستثنى من ذلك سوى المكره إكراها ملجئا فإنه يجوز له موافقة الكفار في الظاهر مع عداوته لهم في الباطن، وإظهار العداوة لهم في أول لحظة من زوال الإكراه.

هذا في مجال إظهار العداوة لهم، فكيف بحال من وجدت منه الموالاة والمواصلة والمناصرة للكفار؟

<<  <  ج: ص:  >  >>