للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن مات على ذلك، وصبر على المشقة العظيمة، والعداوة البالغة له من قومه، وكان يحب من أسلم وينتقص أعمال المشركين وكان يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حق وصواب كما يظهر ذلك من قوله في النونية:

ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا (١)

ويقول في قصيدة أخرى:

ولقد علموا أن ابنا لا مكذب ... لدينا ولا يعني بقول الآباطل

حدبت (٢) بنفس دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذري (٣) والكلاكل (٤) (٥)

ولكنه لما لم يتبرأ من دين أبيه عبد المطلب ويعلن عداوته لذلك، ولم يعلن موالاته لله ثم لرسوله والمؤمنين في الله، ما نفعه ذلك شيئا وقد استغفر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرا لنصرته له ودفاعه عنه، فأنزل الله قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة: ١١٣] لو كان هناك رجل من أهل الشرق أو أهل الغرب، يحب الدين الإسلامي، وينصر المسلمين باليد والمال والسلاح، ولكنه لم يعلن دخوله في الإسلام وانضمامه إلى جماعة المسلمين وبراءته وانفصاله وعداوته للمشركين لم يكن مسلما


(١) انظر البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٤٢).
(٢) أي تعطفت وأشفقت عليه، انظر لسان العرب لابن منظور (١/ ٥٨١).
(٣) الذري بالضم أعلى كل شي وذروة السنام والرأس أشرفهما المصدر السابق (١/ ١٠٦٦).
(٤) الكلاكل: جمع كلكلة وهو الصدر من كل شيء وقيل هو ما بين الترقوتين وقيل هو باطن الزور وقيل القصير الغليظ الشديد المصدر السابق (٣/ ٢٩٠) وانظر المعجم الوسيط (٢/ ٨٠١).
(٥) انظر البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>