للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن لا تكون سابقة لمثلها، في هذا الدين، مع أنه كان يمكن أن تمر هذه الحادثة لو قدرناها باعتبارها حادثة فردية بطريق أسهل وأخف، من أن ينزل الله بها وحيا يتلى إلى قيام الساعة، ولكن إرادة الله ومشيئة هي التي قدرت لهذه الحادثة أن تكون، وأن تكشف فصاحب القصة هو أحد الأفراد القلة الذين استودعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سر هذه الغزوة ثم تدركه لحظة الضعف البشري، فيبوح بذلك السر، ويجري قدر الله وإعجازه، بكف ضرر هذه الحادثة، قبل تمامها، باطلاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمر (١) فيتحقق بذلك أمر الله في منع موالاة الكافرين ومودتهم، وبخاصة الذين يحاربون أهل الإسلام في دينهم وديارهم وأنفسهم حيث قال: (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) أما لو رجعنا إلى الكتاب الذي بعث به حاطب بن أبي بلتعة، إلى قريش لوجدنا أن ما فيه من كلمات، تعتبر بمثابة حرب نفسية للكفار حيث يقول فيه: أما بعد فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، وأنجز له موعده فيكم، فإن الله وليه وناصره (٢) ولكن نظرا إلى أن الأمر تم بتصرف فردي واجتهاد شخصي لمصلحة خاصة، اعتبر ذلك الأمر في غاية الخطورة والشدة، حيث إن في ذلك إذاعة لسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللجماعة المسلمة بدون مراجعتها وإقرارها لذلك.

فاعتبر ذلك انحيازا إلى الكفار وموالاة لهم، ولكن حاطب بن أبي بلعتعة رضي الله عنه قد استثنى من طائلة هذا التصرف وعفا الله عنه لاعتبارات تقدم ذكرها (٣) وهي لا تنطبق على سواه، أما من يفعل ذلك


(١) انظر في ظلال القرآن (٨/ ٦٥، ٦٦).
(٢) تفسير القرطبي (١٨/ ٥٠) وانظر نيل الأوطار للشوكاني (٨/ ١٥٦).
(٣) انظر (١٧٢) من هذه الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>