للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، كما هو رأي الذين يرون أن الصبر على الابتلاء أولى من الأخذ بالرخصة وعلى رأس هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (١).

وفي رأيي أنه في مثل هذه الحال التي يتعرض فيها المسلم للإكراه في إيذاء أخيه أن يدفع أعظم المفسدتين بأدناهما في حقه وحق أخيه على حد سواء، وهذا على قول من يرى جواز الأخذ بالرخصة أما من يرى أن الصبر على الأذى أولى من دفع الضرر عن النفس ليقع على نفس أخرى بريئة، فأقول: إنه ليس من حق المسلم أن يدفع الضرر عن نفسه بضرر مثله أو أشد منه في حق أخيه، ولكن لو دفع أعظم الضررين بأدناهما سواء في حق نفسه أو حق أخيه لكان ذلك عدلا وإنصافا في حق الاثنين معا بحسب القدرة والاستطاعة فيما دون مسألة القتل (٢).

أما من قتل مؤمنا بدعوى الإكراه فقد احتمل إثما وذنبا كبيرا، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: ٩٣].

وقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن المسلم إذا قتل مؤمنا متعمدا لا تقبل له توبة.

وقال الجمهور: إن القاتل للمؤمن عمدا تقبل توبته إذا كانت توبة صادقة، وتوبة نصوحا، واستدلوا على ذلك أن الكفر أعظم من القتل، والتوبة عن الكفر مقبولة فعن القتل أولى (٣)، وعلى كل حال فإن من المرجح قبول توبة القاتل للمؤمن عمدا وإن كان الوعيد في حقه شديدا فقد


(١) انظر المصدرين السابقين نفس المكان وانظر تفسير زاد المسير (٤/ ٤٩٦).
(٢) انظر التشريع الجنائي الإسلامي (١/ ٥٧٥، ٥٧٦).
(٣) انظر تفسير آيات الأحكام، محمد علي السايس (١٢٦، ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>