للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - قول زفر (١) إن القصاص على المأمور وحده دون الآمر لأنه قادر على الامتناع وهو إثم بالاتفاق (٢) من الجميع.

والذي نرجحه في هذه المسألة هو أن القصاص على الآمر والمأمور جميعا، لأن الآمر وهو صاحب السلطة والولاية، أمر ظلما وهو خلاف ما يجب عليه، وذلك إثم يؤاخذ عليه، والمأمور نفذ هذا الظلم وأجراه بفعله، وهو كذلك يؤاخذ على تنفيذ الظلم وإجرائه، ومن يحتج بأن العقوبة على الآمر دون المأمور بقوله تعالى: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) فالجواب أن لا تقية في الأعمال ولا إكراه عليها كما تقدم بيان ذلك (٣).

فماذا يعمل جلادو الطغاة وزبانيتهم الظالمون حيال هذه النصوص العظيمة من الوعيد لمن آذى مسلما، وبأي وجه يقدمون على الله، وأيديهم تقطر من دماء الأبرياء والمظلومين، والمقهورين بغير حق، أيظن أولئك أن الله غافل عما يعملون؟ قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم: ٤٣] وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي


(١) هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري أبو الهذيل فقيه، تفقه على أبي حنيفة له مصنفات مات سنة (١٥٨) هـ انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (٤/ ١٨١).
(٢) انظر جامع العلوم والحكم عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (٣٥٤، ٣٥٥) وانظر أصول الفقه محمد الخضري بك (١٠٦، ١٠٨).
(٣) المصدر السابق نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>