للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الداعية الذي لا يجد الحقد على مقاوميه إلى نفسه سبيلا، فقد مَنَّ عليهم بعد كفاح دام بينه وبينهم إحدى وعشرين سنة، لم يتركوا فيها طريقًا للقضاء عليه وعلى أتباعه وعلى دعوته إلا سلكوه، فلما تم له النصر عليهم وفتح عاصمتهم، لم يزد أن استغفر لهم وأطلق حريتهم، إن هذا لا يصدر إلا عن رسول كريم لم يرد بدعوته ملكًا ولا سيطرة، وإنما أراد الله له أن يكون هاديًا وفاتحًا للعقول والقلوب (١).

وفي كتاب كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأساقفة نجران قال فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير! جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك. جوار الله ورسوله أبدًا ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين» (٢).

وهذا الكتاب يبين مدى التسامح مع النصارى واحترام حقوقهم وأنهم لا يظلمون ولا يُظْلَمون، وقد سار على ذلك خلفاءُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام فهذا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) عندما فتح المسلمون مصر كتب بيده أمانًا للبطريق بنيامين ورده إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاثة عشرة سنة، وأمر عمرو باستقباله عندما قدم من الإسكندرية أحسن استقبال (٣). وعندما تمكن القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي من دحر الصليبيين بعد تسعين سنة من مجازر الغدر والخيانة والفساد في الأرض لم يعاملهم بالمثل، إذ إنه لما أسلمت له الحامية النصرانية، أمنهم على حياتهم، وكانوا أكثر من مائة ألف نسمة وسمح لهم بالخروج في أمان


(١) انظر السيرة النبوية دروس وعبر د/ مصطفى السباعي ص٢٣٠ - ١٣١.
(٢) انظر البداية والنهاية لابن كثير ج٥ ص٥٥، وانظر حياة الصحابة ج١ ص١٢٣.
(٣) تاريخ الإسلام السياسي/ حسن إبراهيم ج١ ص٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>