للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلام وأعطاهم مهلة أربعين يومًا للخروج وقام بمداواة جرحاهم وتمريض مرضاهم وسمح لهم بحمل ما يحملون من أموال منقولة (١).

وعندما هجم قائد التتر قطلوه شاه على دمشق وأسر عددًا من المسلمين والذميين من اليهود والنصارى، ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) معه جمع من العلماء وطلبوا فك الأسرى فسمح لهم قائد التتر بأسرى المسلمين دون غيرهم فرفض الشيخ ومن معه وقالوا: لا بد من افتكاك جميع الأسرى هم أهل ذمتنا، ولا نرضى ببقاء أسير من أهل الملة ولا من أهل الذمة، فإن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فأطلق القائد التتري جميع الأسرى، وقد تكرر هذا الموقف من شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) عندما كتب رسالته إلى ملك قبرص سراجون لافتكاك أسرى المسلمين وأهل الذمة من رعايا الدولة الإسلامية (٢).

ومن هذا العرض الموجز يتضح أن الإسلام يقف مع الكفار موقفًا معتدلاً، في السماحة من غير ذل وهوان، فأصحاب الإسلام لا تنطوي ضمائرهم على الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بالآخرين، فبسماحة الإسلام يتعامل المسلم مع الناس جميعًا على أساس العدل والاحترام المتبادل دون أن يكون ذلك على حساب الاستهانة بالعقيدة الإسلامية وشعائر الإسلام، فالمعاملة شيء، ومحبة القلب ومودته للكفار شيء آخر حيث إن الإنسان يتعامل في أغلب الأحوال مع من يحب ومن لا يحب في بيعه وشرائه ونحو ذلك، أما مودة القلب والنصرة والمساعدة، فلا يمنحها إلا لمن يحب، وهذه هي الموالاة المنهي عن بذلها للكفار قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا


(١) انظر العلاقات الدولية في الإسلام د/ كامل سلامة الدقس ص٣٣٤.
(٢) انظر الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام/ علي علي منصور ص٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>