للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينقل الشيخ سليمان بن سحمان عن ابن تيمية قوله: «أنه قال -أي شيخ الإسلام- في قوله تعالى: (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (١). إن الطائفة المعفو عنها كانت عاصية، لا كافرة إما بسماع الكفر دون إنكاره أو بالجلوس مع الذين يخوضون في آيات الله، أو بكلام هو ذنب وليس كفر» (٢) اهـ.

وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (٣). فقد ذكر بعض المفسرين أن الزور عيد المشركين، فيكون الحكم هو النهي عن حضور أعياد المشركين وما في حكمها من أفعال كفرهم (٤). قال تعالى: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٥).

وبناء على ما تقدم فإن الإقامة الاختيارية المصحوبة بالرضا في المقام ببلد يعلو فيه الشرك والكفر، وتظهر منه مظاهر الردة والنكول عن الإسلام وترفع فيه شعارات الإلحاد والفساد لهو مقام لا يرتضيه الله من المسلم، ولا يرضاه المسلم الحقيقي لنفسه، حيث إن المسلم لا يمكن أن تطمئن نفسه في بلد تهدم فيه أركان التوحيد، وترفع فيه شعائر الكفر ويسوده الطغاة والفجرة، ويستذل فيه أهل الإيمان والإسلام.

إن الرضا بالمقام في مثل هذا الوضع لا يصدر إلا عن قلب رانت عليه الذنوب والمعاصي، وانطفأت فيه جذوة الإيمان، واستمرأ الملذات واستعبدته الشهوات حتى فقد الإحساس بالمسئولية نحو نفسه ونحو الإسلام


(١) سورة التوبة آية (٦٦).
(٢) انظر الجواب الفائض في الرد على أرباب القول الرائض/ سليمان بن سحمان، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (٣٤١٣) ص٥٧.
(٣) سورة الفرقان آية (٧٢).
(٤) انظر تفسير القرطبي ج١٣ ص٧٩ - ٨٠.
(٥) سورة الأنعام آية (٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>