للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فعبادة الله لا تتحقق إلا باجتناب الطاغوت، واجتنابه يعني: بغضه وعداوته، وقطع الصلة به والتعاون معه، إلا بحدود ما أباح الشرع، وفق قيود وشروط خاصة من إكراه ملجئ، وصلة بالمعروف لذوي القرابة من الكفار، مع كراهة ما هم فيه من كفر والتصريح لهم بذلك.

الدليل الرابع والعشرون: قول الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [النحل: ١٠٦، ١٠٧].

فحكم الله تعالى لا يبدل على أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر، سواء كان الدافع لذلك خوفا على نفس أو مال أو أهل من الكفار، وسواء كان كفره في الباطن أم بالظاهر دون الباطن، وسواء كان كفره بمقاله أو بفعاله أو بهما معا، وسواء كان طامعًا من المشركين بمال أو جاه أو شهوة أو شهرة فهو كافر على كل حال من تلك الأحوال جميعا، ما عدا صورة واحدة وهي ما إذا أكره على قول كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، جاز له موافقتهم في الظاهر على ذلك، أما إن وافقهم في الباطن فهو كافر مثلهم، ولو ادعى الإكراه، لأن الباطن لا سلطان لأحد عليه من الناس وإن صبر المكره على أذى الكفار، ولم يوافقهم في طلبهم على قول كلمة الكفر، فقتل بذلك فهو شهيد، كما حصل ذلك من خباب بن الأرت (١).


(١) هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة وهو من السابقين إلى الإسلام كان سادس ستة في الإسلام، وممن عذب في سبيل الله تعذيبا شديدا، حيث كان الكفار يلبسونه الدروع الحديدية ويضعونه في شمس مكة وحرها اللافح ليس عليه ما يسرته، وقد صبر ولم يعط الكفار ما طلبوه، ثم شهد بدرا بعد ذلك وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نزل الكوفة في عهد الخلافاء الراشدين ومات بها سنة ٣٧ هـ انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٢/ ٩٩، ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>