للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الآية يتحدث الله عن موسى عليه السلام وقد قطع على نفسه عهدا مطلقا، ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا أو معينا لهم، وذلك إشعار بالبراءة من الجريمة وأهلها براءة تامة، وعلى هذا فلا يحلًُّ لمسلم يحرض على سلامة إسلامه أن يعين ظالما حتى ولو بكتابة ما ينطوي على الظلم أو يصحبه على تلك الحال، فإن الله لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وليست مناصرة الظالم على ظلمه ومظاهرة الكافر على كفره، بأيسر مما تقدم.

وفي الأثر من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض الأقدام (١).

وروي أيضا من مشى مع ظالم فقد أجرم (٢).

وهذه الآثار ضعيفة الإسناد، وإن كان المعنى الذي تدل عليه في الجملة صحيحًا (٣).

فالمشي مع الظالم لا يكون جرمًا إلا إذا مشى معه ليعينه على ظلمه فحينئذ يكون قد ارتكب ما نهى الله عنه في قوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: ٢].

الدليل الثلاثون: قول الله تعالى مخاطبا رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ) [القصص: ٨٦] فمعنى ظهير في هذه الآية والتي قبلها بمعنى: معين


(١) انظر تفسير القرطبي (١٣/ ٢٦٤).
(٢) المصدر السابق المكان نفسه.
(٣) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (٢/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>