إدراكه المشهد في الواقع، ومن الأمثلة على هذا قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الغاشية/ ٨٨ مصحف/ ٦٨ نزول) :
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ * وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ}[الآيات: ١٧ - ٢٠] .
أْقُلُ هُنَا ما سَبَقَ أن كتبتُه في كتابي:"أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع"، إذْ أعالج في هذا النصّ من جوانبه الأدبيّة فنّيَّةَ تَرْتِيب جُمَله فقط.
قد يهدف ترتيب الجمل القرآنيّة إلى عَرْضِ لَوْحَةٍ فَنِّيَّةٍ مِنْ لَوْحَاتِ مَا خَلَق اللَّهُ في كونه، حتَّى كأَنَّها رسْمٌ قَدْ رُوعيَتْ فيه كلُّ الشّروط الفنّيّة الْتي تُراعَى في الرّسُوم والصُّورِ الرفيعة، فتَبْدُو الصورةُ مثالاً مطابقاً لحركة تَتَابُعِ المشْهَد في نَفْسِ المشاهد.
تصَوَّرْ أَنَّكَ جالِسٌ في باديَةٍ في خَيْمَةٍ، كَوَاحدٍ من عُرْبانِ البادية، وَأمَامَكَ سَهْلٌ مُمْتَدٌّ، وبعْدَه سِلْسِلة جبالٍ متتابعة، ومرَّتْ قافلةُ جمالٍ في هذا السهل بينَكَ وبيْنَ الجبال.
فكيف تتنقَّلُ نَفْسُك في هذا المشهد، بعْدَ هذا الحدَثِ المتحرّك المثير، وهو قافِلةُ الجمال؟.
لقد تَمثَّلْتُ هذه الصورة، فَوجَدْتُ أَنَّنِي أتَنقَّلُ في متابَعَتِهَا مُرَكّزاً علَى بُؤْرَةِ المشهد مرحلةً فمرحلةً على الوجه التالي:
اللّقْطَةُ الأولى: صورة قافلة الجمال السائرة، إذْ كانت أوّل لافتٍ لنظري، بسبب الحركة، وغرابَةِ المشهد، ورغبة النفس في متابَعةِ مُشاهدته قَبْلَ أن يغيبَ عن النظر، فكانَتْ في حِسِّي هي بُؤْرَة المشْهَد البارزة، وما سواها كانَ أرضيَّةً لها.
اللقطة الثانية: صورةُ السَّمَاءِ مِنْ جهة الأفق الْبَعِيدِ ورَاءَ القافلة، إذْ شَبِعَتْ نَفْسِي من مُتَابعةِ التركيز على قافلة الجمال، فتركْتُها، وجَعلْتُها أرضيَّة الصورة،