وانتقَلْتُ للتأمُّل في السّماء، فكانت السماء في حسِّي هي بُؤرَة المشهد البارزة، وتَوجَّهَ بصَري للتَّرْكيزِ على السماء، بحثاً وتأمُّلاً، حتَّى إذا شَبِعْتُ من ذلك ظهَرَتْ فِي شُعُورِي لقطةٌ أخرى.
اللقطة الثالثة: هي صورة الجبال المتتابعة، إذْ أَخَذَتْ تَبْرُزُ في حِسِّي، فتكونُ بُؤْرَةَ المشهد، وتوجّه بصري للتركيز على الجبال بحثاً وتأمُّلاً فيها.
وأدركْتُ أنّ من طبيعة النفوس لدى مُشَاهَدةِ مشهد متعدّد العناصر، أن تبدأ بالمتحرّك لأنّه أكثر إثارةً، ثُمّ تنتقل إلى أعْلَى المشهد، ثمّ تتدلّى شيئاً فشيئاً حتّى أدناه.
ولمّا شَبِعْتُ من التأمُّلِ في الجبال ظهرت في شُعوري اللّقطة الَّتي وراءها.
اللقطة الرابعة: هي صورة الأرض المنبسطة الممتدّة أمامي كأنّها السَّطْحُ، أخَذَتْ تَبْرُزُ في حِسّي، فتكونُ بُؤْرَةَ المشهد، وتوجّه بصري للتركيز على الأرض بحثاً وتأمُّلاً فيها.
عندئذٍ عَلِمْتُ الحكمة التي دعَتْ إلى ترتيب الجمل القرآنية، من سورة (الغاشية) في الآيات من (١٧ - ٢٠) وما فيها من تصوير كلاميّ مُتَابعٍ لحركة النَّفْس لدى مُشاهَدَةِ مثلِ هذه اللّوحة التي عرضها النصّ.
وقُلْتُ في نفسي: إنّها بهذا الترتيب تقدّمُ لوحةً فنّيَّة، تُطابقُ ما يَحْدُثُ لِمُشَاهدٍ واقعٍ في مثل هذا المشهد.
إنّ العليم الحكيم الخبير يقدّم هذه اللّوحة الفنيَّة، ليلفت نَظَر الْمُشاهِدِ من خلالها إلى إدراكِ طائفةٍ من صفاتِ الخالق جلّ جلاله، الّتي تدلُّ عليها آياتُ هذا المشهد البديع، ومنها أنَّه عليم حكيم قدير بديع السماوات والأرض، قد أتْقَنَ كلَّ شيءٍ صُنْعاً.