فلننظر إلى الالتفات البديع الموجود في النصّ القرآنيّ التالي:
بينما يتحدّث النّصّ عن بني إسرائيل الأوّلين ما فعلُو من كبائِرَ بأسلوب الحديث عن الغائب، يلتفت النّصّ فيخاطب بني إسرائيل المعاصرين لنزول القرآن فمن يأتي بعدهم كأنَّهم الأوّلون أنفسُهم، للإِشعار بأنّ هؤلاء الْخُلُوف ما زالوا يتّصفون بأوصاف الأوّلين، لم يغيّروا منها شيئاً، فهم مَعْنِيُّون بعموم الخطاب، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (الأعراف/٧ مصحف/ ٣٩ نزول) :
فالالتفاتُ في:{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} خطاباً لبني إسرائيل المعاصرين لنزول النصّ فمن بعدهم فيه فائدتان:
الأولى: فنيّيّةُ التنويع في العبارة المثيرة لانْتِباه المتلَقِّي، والباعثة لنشاطه في استقبال ما يُوَجَّه له، والإِصْغَاءِ إلَيْه.
الثانية: الاقتصاد والإِيجاز في التعبير، فبدل أن يقول النصُّ لمعاصري التنزيل الكافرين من بني إسرائيل فمن بَعْدَهم: وأنتم يا بني إسرائيل ما زِلْتُم على طريقة أسْلاَفِكُمْ، أَفَلاَ تَعْقِلُونَ؟. اقْتَصَرَ النّصُّ على:{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} مُسْتَغْنِياً بأُسْلُوبِ الالْتفاتِ، للدلالة على ما يُمْكِن فَهْمُه ذِهْناً، إذْ اعتَبَرَهُمُ النَّصُّ داخِلِين في عُمُوم خطاب الغائبين السّالِفين، إذْ هم موافقون على ما كانوا يفعلون، أو يفعلون مثلهم.
ونظيره الالتفات البديع في قوله الله عزّ وجلّ في سورة (آل عمران/ ٣ مصحف/ ٨٩ نزول) :
{مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب ... }[الآية: ١٧٩] .