في البيت الأوّل واجه ممدوحه بالخطاب، وفي البيت الثاني انتقل من الخطاب إلى الغيبة على طريقة الالتفات.
وموضع الحسن في هذا الالتفات أنّ الشاعر أراد أن يُواجه الناسَ بمدحه، ويُعْلِن على الملأ أنّه كريم ذو خُلُقٍ جميل، ولو تابع طريقة الخطاب لأوهم أنّه يتزلّف إليه بينه وبينه، وهو لا يريد إعلان مدحه بين الناس.
خامساً: ومِنْ أمثلة الانتقال من الغيبة إلى التكلّم ما يلي:
* قول الله عزّ وجلّ في سورة (فاطر/ ٣٥ مصحف/ ٤٣ نزول) :
{والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النشور}[الآية: ٩] .
الكلامُ في صَدْرِ الآيةِ جَارٍ وفْقَ أُسْلُوبِ الْحدِيثِ عن الْغَائب:
{والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} .
وبَعْدَ ذلِكَ انْتَقَل إلى أُسْلُوبِ التكَلُّمِ فقال تَعَالى:
{فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} .
وفائِدة هذا الالتفاتِ إيقاظُ الأذْهانِ للتفكُّر في مِنَّةِ اللهِ على عبادِه الذي يُقَدِّر أسْباب رِزْقِهِم ويَسُوقُها لهم، وللتفكُّرِ في مظهر من مظاهر قدرته الَّتِي يُحْيِي بها الأرْضَ الميتة، الذي يُشْبِهُهُ إحياءُ الموتَى يومَ القيامة، إذ جاء فيه تحدُّثُ الرَّبّ الجليل عن نفسه بضمير المتكلِّم العظيم:{فَسُقْنَاهُ - فَأَحْيَيْنَا بِهِ} .
* وقول الله عزّ وجلّ في سورة (فُصِّلت/ ٤١ مصحف/ ٦١ نزول) :