للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودلّت عبارة: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} من شطر الكلام الثاني على عبارة: "وإليه أرجع" من شطر الكلام الأول.

وبهذا الحذف الإِيجازي ظهر التعبير على صورة الالتفات من أسلوب حديث المتكلّم عن نفسه مريداً به المخاطبين، إلى أسلوب الخطاب، ومثل هذا الالتفات البديع يشدّ الانتباه إلى التأمُّل وحُسْنِ التدبُّر.

المثال الثاني:

قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الأنعام/ ٦ مصحف/ ٥٥ نزول) خطاباً للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكُلّ داعِ إلى سبيل ربّه وآمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر من بَعْده:

{قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين * وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الآيات: ٧١ - ٧٢] .

عبارة {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين} جاءت بأسلوب حديث المتكلّم عن نفسه ومعه كُلّ المكلفين من الناس، أي: وأُمِرْنَا جميعاً بالأوامر الربّانيّة المختلفة لنُسْلِمَ مُنْقادين طائعين لربّ العالمين.

وبعد هذه العبارة تحوّل الأسلوب إلى التكليف بالخطاب، فجاء في النصّ: {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .

والغرض من هذا الالتفات نلاحظه حينما ندرك أنَّ الأَمْر بإقامَةِ الصلاة وبتقوى اللهِ مع كونه داخلاً في عُمُومِ {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين} إلاَّ أنّ على الرسول وعلى كلّ آمِرٍ بالمعروف ناهٍ عن المنكر من بعده أنْ يقوم بهذه الوظيفة الاجتماعية تذكيراً وتحذيراً، فهو آمِرٌ ونَاهٍ بتوجيه منه، وليس مجرّد مقدّم على سبيل الحكاية ما أمر الله به ونهى عنه، ضمن المأمور به في عبارة: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين}

المثال الثالث:

قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الفتح/ ٤٨ مصحف/ ١١١ نزول) خطاباً لرسوله محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>