بدأت الآياتُ بِحَدِيثِ المتكلّم العظيم عَنْ نفسه، وهذا الأسلوب يناسِبُه بحسَب الظاهر أن يكون الكلام بعدَهُ:"لنغفر لك ما تقدم ... ونُتِمَّ نعْمَتَنَا ... ونَهْدِيَكَ ... ".
إلاَّ أن الكلام جاء على خلاف ذلك، فحصل الالتفات من التكلّم إلى الغيبة، فقال تعالى:{لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} إذ الاسم الظاهر بقوّة ضمير الغائب.
والفائدةُ الخاصةُ التي يَدُلُّ عَلَيْها هذا الالتفاتُ الإِشعارُ بأنَّ قائل {إِنَّا فَتَحْنَا} هو الله نَفْسُه، والتنبيهُ على مقام لفظ الجلالة "الله" الدّالّ على الذات وكلّ الصفات والذي بيده الغفرانُ، وإتمامُ النعمة، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، والنَّصْرُ العزيز، مع الفوائد العامّة الَّتي تُسْتَفَاد من الالتفات.
المثال الرابع:
قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الكوثر/ ١٠٨ مصحف/ ١٠ نزول) :
بدأت السورة بحديث المتكلّم العظيم عن نفسه، وهذا الأسلوب يناسبُه بحسَب الظَّاهر أن يكون الكلام بَعْدَهُ:"فَصّلِ لنَا وانْحر".
إلاَّ أن الكلام جاء على خلاف مقتضى الظاهر هذا، إذْ حصل الالتفات من التكلّم إلى الغيبة، فقال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} .
والفائدة الخاصة التي يدلُّ عليها هذا الالتفات الإِشعار بأنّ المتكلّم هو ربٌّ يُمِدُّ بعطاءات الرُّبوبيّة دواماً، فمن حقِّهِ على مَرْبُوبيه أن يَعْبُدوه بمختلف أنواع العبادات، ومنها الصلاة له، ونَحْرُ الْهَدْيِ ابتغاءَ مرضاته.