الوجه الثاني: من الملاحظ أنّ "النابغة" خاطب الملك بكاف الخطاب، وهو يريد سُلْطته عن طريق جنُوده، إذْ هو بشخصه لا يستطيع أن يُدْرِكَ النابغة لو أراد الفرار منه، وهذا من إطلاق السبب وإرادة المسبَّب، فهو من المجاز المرسل أحَدِ العناصر التي تُسْتَخْدَم للإِيجاز، والتقدير فإنّ سُلْطَتَكَ التي تَسْتَخْدِمُ فيها جُنُودُكَ الكثيرين كاللَّيْلِ الذي هو مدركي، وهذا إيجاز بالحذف.
الوجه الثالث: بالَغَ النابغة فشبَّه "النُّعمان" باللَّيل، فزادَ عمَّا يُريد التعبير عنه من أنّ الملك قادر على أن يوجّه أوامره فتلْحَق جنودُه بمَنْ يفرُّ منه فتقبض عليه، وهذه الزيادة ذات فائدة، فهي من الإِطناب الحسن.
الوجه الرابع: أنّ الشطر الأوّل من البيت كافٍ للدّلالة على مقصوده، إلاَّ أنه زاده تأكيداً بقوله فى الشطر الثاني:"وَإِنْ خِلْتُ أنَّ المنتأَى عنك واسعُ" وهذا إطنابٌ بِزِيادةٍ مفيدةٍ.
المثال الثالث:
قول الله عزّ وجلّ في سورة (الروم/ ٣٠ مصحف/ ٨٤ نزول) .
يَقْرُبُ هذا المثال من أن يكون مثالاً صالحاً للمساواة، إلاَّ أن استعمال عبارة:{فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} تَصْلُحُ لأَنْ تكونَ مِثَالاً للإِيجارُ بالْحَذْفِ، إذْ التقدير: فَعَلَيْهِ يَنْزِلُ عِقَابُ كُفْرِه.
وكذلك عبارة:{فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} إذْ تقديرُها: فَلَخَيْرِ أنفسهم، أو لمصلحة أنفسهم يَمْهَدُونَ.
يضاف إلى هذا أنّ عبارة
{وَمَنْ عَمِلَ صَالحاً} فيها إيجاز بالحذف أيضاً، إذ التقدير: ومَنْ عمل عملاً صالحاً هُو ثَمَرَةُ إيمان صحيح.