فمن الأمثلة نلاحظ أن كلمة "الذِّكْر" المختارة للتعبير بها عن القرآن في كثير من نصوص الكتاب العزيز تُغْنِي بلوازمها الفكريّة عن جملة كلمات أو عبارات تتضمّن المعانيَ التالية "تبليغ القرآن - وجوب تلقيه عن المبلّغ - وجوب فهمه وتدّبره - وجوب حفظه - وجوب جعله حاضراً في الذاكرة ليُرْجَعَ إلى نصوصه عند كلّ مناسبة داعية لمعرفة دين الله وأحكامه".
كلُّ هذه المعاني فهمناها باللُّزوم الذهني، لأنَّهُ لا يكون ذِكْراً دواماً ما لم يكن مسبوقاً بالتبليغ والتلقّي والفهم والتدبّر والحفظ فمن استوفى كلّ هذه الأمور كان القرآن بالنسبة إليه ذكراً، وإلاَّ كان مَتْرُوكاً منسيّاً.
فأغنت كلمة واحدة ذات لوازم ذهنيّة عن عَددٍ من الكلمات أو العبارات، دون أن يُقَدَّرَ في الكلام محاذيف، والوسيلة هنا في هذا الإِيجاز الاستغناءُ بما تُعْطيه اللوازم الفكرية، وحُسْنُ انتقاء الكلمات التي تَدُلُّ على اللوازم الفكريّة المطلوبة.
***
بهذه النظرات التحليليّة استطعنا أن نكشف أسباباً ثلاثةَ نستطيع بوساطتها أن نجعل الكلام قصيراً موجزاً، مع دلالته على معانٍ غزيرة كثيرة، دون الحاجة إلى تقدير محاذيف حُذِفت من منطوق اللّفظ وبقيت مقدّرةً فيه ذهْناً.
وتلخيص هذه الأسباب الثلاثة فيما يلي:
السبب الأوّل: اختيار الألفاظ والتعبيرات الكليّة، ذوات الدلالات العامّاتِ الشاملات.
السبب الثاني: الاستغناء عن التفصيلات الكثيرات بالأمثال والتشبيهات التي تدلُّ فيها الأشباه والنظائر على مقابلاتها، إذْ يدلُّ الممثَّل به الجامع لصُوَرٍ وصفاتٍ ومعَانٍ كثيرة على صُورٍ وصفاتٍ ومَعَانٍ موجودَةٍ في الممثّل له.