وقد اشتغل البلاغيّون في تحليل هذه العبارة القرآنية لاكتشاف عناصر إيجازها البديع المتقَن، ولمقارنتها بما كان لدى فصحاء العرب من عبارة مناظرة كانوا يردّدونها ويعتبرونها من أقصر الْكَلمِ وأوجزه، وهي قولهم:"القتْلُ أنْفَى للقتل".
وأعرض فيما يلي أبرزها مع إضافات تحليليّة من عندي:
(١) إنّ كلمة "القِصَاص" كلمة عامّة تشمل القتل بالقتل، والقطع بالقطع، والجروح بالجروح، وتدخلُ فيها كُلُّ تفصيلات الجنايات ممّا يتعلّق بذوات الأحياء من الناس، أنفسِهِمْ فما دون ذلك.
(٢) وإنّ كلمة "حياة" تشمل حياة النفس، وحياة كلّ بعْضٍ من أبعاض الجسد الذي إذا انقطع مات، فيكون حاله كحال كلّ الجسد إذا ماتت النفس.
وتنكير لفظ "حياة" يدلُّ على أصل بقاء الحياة للنفس، ويدُلُّ على نوع نفيس من أنواع الحياة يتَمنّاه الأحياء، وهو نوع الحياة الآمنة، التي لا خوف فيها ولا قلَقَ، والذي يتحقّق بتقرير حكم القصاص وتنفيذه، وذلك لأنّ من تُحَدِّثُه نفسُهُ بالعدوان على فردٍ أو أكثر من أفراد المجتمع في كلّ النفس، أو في بعض أعضاء الجسد، فإنَّ خوفه من القصاص يروعُه فيكُفُّ عن ارتكاب الجريمة، وبهذا تَقِلُّ جرائم القتل والقطع والجروح في المجتمع إلى أدنى الحدود، فيعيش أفراد المجتمع مطمئنينَ حياةً آمِنة.
وبالمقارنة بين العبارة القرآنية:{وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} وبين أوجز عبارة مشابهة كان العرب يردِّدونها، وهي قولهم:"الْقَتْلُ أنْفَى لِلْقَتل" ظهر ما يلي:
(١) إنّ حروف العبارة القرآنية: {فِي القصاص حَيَاةٌ} أقل من عبارة العرب: "الْقَتْلُ أنْفَى للقتل".
(٢) العبارة القرآنية ذكرت "الْقِصَاصَ" فعمَّت كلَّ ما تُقَابَلُ به الجناية على الأنفس فما دون الأنفس من عقوبة مُمَاثلة، وحدّدَتِ الأمر بأنْ يكون عقوبة لعمل سبق، ودلّت على مبدأ العدل.