قالوا: إنّ وصف {القلوب} بعبارة: {الّتي في الصُّدُور} هو من الإِطناب.
أقول: إِنَّ الْقَلْبَ أُطْلِقَ في الْقُرْآنِ على القوّة المدركة للمعارف، وأُطْلِقَ على مواطِنِ الإِرادة والعواطف، أو مراكز التأثُّرِ بها.
فالقوة المدركة للمعارف هي في الدماغ، وهو في الرأس، أمَّا مواطن ظهور الرَّغبات، والعواطف والانفعالات، ومَرَاكزُ حركة عواطف الإِيمان والكفر، وحركة الإِرادات للأعمال، فهي في القلوب الّتي في الصدور، وهذه القلوب التي في الصدور قد يحصل لديها عَمَىً، فتخالِفُ ما أدركته الأذهان من الحق، لانطماس بصيرتها بالأهواء والشهوات، فيكون من آثار ذلك كفرٌ وحركة إراداتٍ نحو أفعال الشرّ، وهذا هو الْعَمَى الحقيقي الذي يُصَاب به أهل الكفر والضلال.
إنّ قُواهم المدْركة الذهنية قد لا تكون عمياء، لكنّ مراكز ظهور وحركةِ إرادتهم وعواطفهم ورغباتهم هي العمياء، وهذه في الصدور لا في الرؤوس.
وبهذا التحليل يكون وصف (القلوب) بعبارة: (التي في الصدور) قيداً لازماً في هذا المقام، ولا يتمُّ المعنى المقصود إلاَّ به، فهو ليس من الإِطناب أصلاً، بل الجملة تدخل تحت عنوان "المساواة".
أمّا نَفْيُ العمَى عَن الأبْصار في عبارة:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} فالمراد منه نَفْيُ الْعَمَى الدَّافعِ إلى الكفر والضلال، إذِ الكلام في الآية جَارٍ في الْمَساق، وهذا حقٌّ، والواقع المشاهد يُؤَيِّده فكثيرٌ منَ الذين كُفَّتْ أَبْصَارُهُم عن النظر هم من