فَأَوْجَرْتُهُ خَرْقَاءَ تَحْسَبُ رِيشَهَا ... عَلى كَوْكَب يَنْقَضُّ واللَّيْلُ مُسْوَدُّ
فَمَا ازْدَادَ إلاَّ جُرْأَةً وَصَرامَةً ... وَأَيْقَنْتُ أَنَّ الأَمْرَ مِنْهُ هُوَ الْجِدُّ
فَأَتْبَعْتُهَا أُخْرَى فَأَضْلَلْتُ نَصْلَهَا ... بِحَيْثُ يَكُونُ اللُّبُّ والرُّعْبُ والْحِقْدُ
فَأَوْجَرْتُهُ خَرْقَاءَ: أي: وجَّهْتُ لَهُ طَعْنَةً بنبْلَةٍ خَرْقَاء لم تُصِبْهُ، وصف النبلة بأنّها خرقاء لأنها لم تصب الهدف.
فَأَضْلَلْتُ نَصْلَها: أي: ضّيعتُ نَصْل النبلة الأخرى، كنَّى بهذه العبارة عن إصابتها الذئبَ بها وضياعها داخل جسده.
بحيث يكون اللُّبُّ والرُّعبُ والحقد: كنَّى بهذه العبارة عن قلب الذئب، إذْ القلب هو مكان اللّب والرُّعْبِ والحَقدِ في مفاهيم الناس.
وهذه الكناية من التعبير بالشيء عن المكان الذي يحلّ به أو يوجد عادة فيه.
المثال السابع: قول المتنبيّ يمدح "سيف الدولة" لمَّا ظفر ببني كلاب إذْ عَصَوْه:
فَمَسَّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَرِيرٌ ... وصَبَّحَهُمْ وَبْسْطُهُمُ تُرَابُ
وَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ ... كَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ
كنَّى بعبارة: "وبُسْطُهُمُ حَرِيرٌ" عن أنَّهُمْ كَانُوا في عزّةٍ وسيادة قبل محاربته لهم، لأن من كان عزيزاً سيداً كانت بُسْطُهُ غالباً من حرير.
وكنَّى بعبارة "وبُسْطُهُم تُرَاب" عن حالة الذُّلّ والمهانة التي وصَلُوا إليها بعد أن حاربهم وظفر بهم، لأنّ الذليل المهين لا يجد غير التراب يفترشه.
ووصف في البيت الثاني رجالَهُمْ بأَنَّهم صاروا من ضَعْفهم عن مقاومة جيشه كالنساء اللّواتي يخضِبْنَ أكفَّهُنّ بالحنّاء، فكنَّى عن النساء بالوصف الذي يتصف به عادة نساء عصره، وكنَّى عن الرّجال بالوصف الخاصّ بهم، وهو القبض على قنوات الرّماح.