للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سحروا أعين الناس، ومن بينهم موسى وفرعون حقيقة، وصار أثر ذلك السحر أن أعينهم صارت تتخيل سعي العصي والحبال وحركتها (١). ﴿فأوجس في نفسه خيفة موسى﴾ أي: أحس خوفاً، كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد ربه، وقيل: خاف موسى على الناس أن يفتتنوا بسحرهم، ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه؛ ﴿قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى﴾ أي: المستعلي عليهم بالظفر والغلبة والقهر، ﴿وألق ما في يمينك﴾ أي عصاك، ﴿تلقف ما صنعوا﴾ أي: تتلقف وتبتلع بسرعة حبالهم وعصيهم، ﴿إنما صنعوا كيد ساحر﴾ مكيدة وخديعة ساحر، ﴿ولا يفلح الساحر حيث أتى﴾ أي: لا يفلح جنس الساحر، حيث أتى، وأين توجه.

﴿فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى﴾، في الكلام محذوف، تقديره: فألقى موسى عصاه، فلقفت حبالهم وعصيهم، فلما رأوا ذلك سجدوا، وقد سبق في سورة الأعراف ذكر ذلك، وتفسيره (٢).

قال ابن كثير: «وذلك أنها - أي عصا موسى - صارت ثعبانا عظيماً هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون … ، ثم قال: «فلما عاين السحرة ذلك، وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول


(١) وقد بسطت القول في أن السحر كان حقيقة ص (١٠٩)، فليراجع.
(٢) انظر ص (٧٩).

<<  <   >  >>