فإن قال قائل: إذا ثبتَ أن القوم أجابوا مُكرهين فقد استعملوا الجائز، فلمَ هَجرهم أحمد؟ فالجوابُ من ثلاثة أوجه
أحدها: أنَّ القوم تُوعِّدوا ولم يُضربوا فأجابوا، والتواعد ليس بإكراه، وقد بان هذا بما ذكرناه من حديث يَحيى بن مَعِين.
والثاني: أنه هجرهم على وجه التأديب، ليعلم العوام تعظيم القول الذي أجابوا عليه، فيكون ذل حفظاً لهم من الزَّيغ.
والثالث: أن مُعظم القوم لما أجابوا قَبلوا الأموال وترددوا إلى القوم وتقربوا إليهم، فَفعلوا ما لا يجوز، فلهذا استحقوا الذمَّ والهجر.
أخبرنا محمدبن أبي منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر، قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، قال: حدثنا أبو بَكر أحمد بن محمد الخلاّل، قال: أخبرني محمد بن الحُسين، أن أبا بكر المرُّوذي حدثهم، قال: دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ما ذاقَ أبو عبدالله طَبيخاً ولا دسماً، وقال: كم تَمتَّع أولئك - يعني ابن أبي شَيْبَة وابن المَدِيني وعَبد الأعلى - إني لأعجب من حِرصهم على الدنيا، فكيفَ يطوفون على أبوابهم؟
ومن أقبح ما نُقل عن ابن المديني، أنه روى لابن أبي دُؤاد حديثاً عن الوَليد ابن مسلم كان الوليد أخطأ في لفظةٍ منه، فذكره لهم على الخطأِ ليَقوى به احتجاجهم، فكان ذلك مما أنكره عليه أحمد.