للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أول يوم من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومئتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاءِ، فدخلتُ عليه يوم الأربعاءِ وهو مَحموم يتنفَّس تَنفُّساً شديداً، وكنتُ قد عرفت عِلّته، وكنتُ أمَرّضه إذا اعتلَّ، فقلت له: يا أبَةِ، علامَ أفطرتَ البارحة؟ قال: على ماءِ باقِلاَّء، ثم أراد القيام، فقال: خُذ بيدين فأخذتُ بيده، فلما صار إلى الخلاءِ ضَعفت رجلاه حتى تَوكأَ عليَّ، وكان يختلف إليه غيرُ مُتطبّب، كلّهم مُسلمون، فوصف له مُتطبب - يقال له: عبد الرحمن - قَرعةً تُشوى ويُسقى ماءَها - وهذا يوم الثلاثاء وتُوفي يوم الجُمعة - فقال: يا صالح، قلتُ: لبيكَ، قال: لا تُشوى في مَنزلك ولا في منزل بعد الله أخيك، وصارَ الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده، فحجبته، وأتى [ابن] علي بن الجَعد فحجبته، وكثُر الناس، فقلتُ: يا أبَة، قد كثُر الناس، قال: فأيّ شيءٍ ترى؟ قلتُ: تأذنُ لهم فيدعونَ لك، قال: أستخير الله، فجعلوا يدخلون عليه أفواجاً حتى تَمتلئ الدار، فيسألونه ويدعون له، ثم يَخرجون، ويدخل فَوج آخر، وكثر الناس، وامتلأ الشارع، وأغلقنا بابَ الزُّقاق، وجاءَ رجلُ من جيراننا قد خَضب، فدخل عليه، فقال: إني لأرى الرجل يُحيي شيئاً من السنّة فأَفْرَحُ به، فدخل فَجعل يدعو له، فجعل يقول: له ولجَميع المسلمين، وجاءَ رجل فقال: تَلطَّف لي بالإذن عليه، فإني قد حَضرتُ ضربه يوم الدار، وأريدُ أن أستحلَّه. فقلتُ له، فأمسكَ، فلم أزل به حتى قال: أدخِله، فأدخلته، فقام بين يَديه وجعل يبكي، وقال: يا أبا عبد الله، أنا كنتُ ممن حَضر ضربَك يوم الدار، وقد أتيتُك، فإن أحببتَ

<<  <   >  >>