للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الوهن الحاصل بشبه حرف يشبه الأفعال. وكان مقتضى شبه ليس بما وعسى بلعل امتناع توسيط خبريهما، كما امتنع توسيط خبري شبيهيهما، ولكن قصد ترجيح ما له فعلية على ما لا فعلية له، والتوسيط كاف في ذلك، فلم تجز الزيادة عليه تجنبا لكثرة مخالفة الأصل.

قال السيرافي: بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق، لأن ليس تدخل على الأسماء كلها مظهرها ومضمرها ومعرفتها ونكرتها، ويتقدم خبرها على اسمها، ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم ولا العلم، وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة، ولا يكون فاعله إلا ضمير ما، فكانت "ليس" أقوى منها.

قلت: فعلية نعم وبئس أظهر من فعلية ليس من ثلاثة أوجه: أحدها: أن معنى نعم وبئس يستقل باسم واحد، لأن معنى نعم الرجل، مدح الرجل، أو كمل الرجل، إلا أن الرجل مبهم، والمراد تعيين ممدوح، فاحتيج إلى مخصوص بعد الفاعل، أو إلى ما يدل عليه قبل نعم، فالحاصل أن مطلوب نعم إنما هو الفاعل، والمخصوص بالمدح إنما يطلبه الفاعل لا نعم، لأنها غير عالمة فيه بإجماع، بخلاف الجزء الثاني من مصحوبي ليس، فإنه معمول لها، فمعنى ليس لا يستقل إلا بجزأين: مسند ومسند إليه، فكانت أشبه بالحروف، وكانت نعم وبئس أشبه بالأفعال.

الثاني: أن نعم وبئس يقوم كل واحد منهما مقام فعل صريح، ويقوم الفعل الصريح مقامه، فمن كلام العرب الفصيح، عَلُم الرجل فلان، بمعنى نعم العالم فلان، وليس لا تقوم إلا مقام حرف، ولا يقوم مقامها إلا حرف.

الثالث: أن ليس ونعم وبئس مشتركة في مفارقة الأصل، لأن أصل كل منها فعل، لكن لسي فارقت أصلها فراقا لازما على وجه عدم به النظير في الأفعال، وثبت به شبه الحرف، ونعم وبئس بخلاف ذلك، لأنهما لا يفارقان أصلهما فراقا لازما، بل أصلهما مستعمل، ولم يعدم بما فعل بهما النظير في الأفعال،

<<  <  ج: ص:  >  >>