للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب العرب في قولهم لعلك ستندم على فعلك، وربما يندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحقّ عليك ألا تفعل هذا الفعل، لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من الغم المتيقن، ومن القليل منه كما يتحرز من الكثير. وكذلك المعنى في الآية: لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة لكانوا حقيقين بالمسارعة إليه، فكيف وهم يودونه في كل ساعة".

قلت: في هذا الكلام ما يناقض كلامه في "قد نرى" و"قد نعلم" و"قد يعلم" من دلالة رُبّما على التكثير، لأنه نسب إليها ههنا التقليل، وتكلف في تخريجه مالا حاجة إليه، ولا دلالة عليه. ثم اعترف بقول العرب: ربما يندم الإنسان على ما فعل، وأنهم لا يقصدون تقليله فهو حجة عليه وعلى من وافقه في هذا التأويل. قلد ابن السراج فإنه قال: قالوا في قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بأنه لصدق الوعد كأنه قد كان، كما قال الله تعالى (ولو ترى إذْ فزِعوا فلا فوتَ) والصحيح عندي أن "إذ" يراد بها الاستقبال كما قد يراد بها المضي، فمن ذلك قوله تعالى (فسوف يعلمون * إذ الأغلالُ في أعناقهم) وقوله تعالى (يومئذ تُحدّثُ أخبارها) فأبدل يومئذ من "إذا" فلو لم تكن "إذ" صالحة للاستقبال ما أبدل يوم المضاف إليها من "إذا" فإنها لا يراد بها إلا الاستقبال.

والمبرد وابن السراج والفارسي يرون وجوب وصف المجرور برُب، وقلّدهم في ذلك أكثر المتأخرين مع أنه خلاف مذهب سيبويه، ولا حجة لهم إلا شبهتان: إحداهما أن رب للتقليل، والنكرة بلا صفة فيها تكثير بالشياع والعموم، ووصفها يحدث فيها التقليل بإخراج الخالي منه فلزم الوصف لذلك. والشبهة الثانية أن قول القائل: رب رجل عالم لقيت، ردّ على من قال: ما لقيت رجلا عالما، فلو لم يذكر الصفة لم

<<  <  ج: ص:  >  >>