استغناء مجرورها قوله في باب الجر:"وإذا قلت رب رجل يقول ذاك، فقد أضفت القول إلى الرجل برب". فتصريحه بكون يقول مضافا إلى الرجل برب مانع كونه صفة، لأن الصفة لا تضاف إلى الموصوف. وإنما يضاف العامل إلى المعمول، فيقول إذن عامل في رجل بواسطة رب، كما كان مررت من مررت بزيد عاملا في زيد بواسطة الباء، كما كان أخذت من أخذته من عبد الله عاملا في عبد الله بواسطة من. وهما من أمثلة سيبويه في باب الجر، وقال فيهما: فإذا أضفت المرور إلى زيد بالباء. وقال أيضا فقد أضفت الأخذ إلى عبد الله بمن. فجعل نسبة مررت من بزيد، ونسبة أخذت من من عبد الله كنسبة يقول من رُبّ رجل. وفي تمثيله برب رجل يقول ذلك، وجعله يقول معدّى إلى رجل بواسطة رُب، دليل على أن مضمون ما دخلت عليه رُب يجوز استقباله ولا يلزم مضيه. وقد تقدمت شواهد ذلك.
إلا أن في هذا المثال إشكالا بيّنا، وذلك أن ظاهره يقتضي جواز أن يقال من زيد عجب، إذا عجب من نفيه وهو غير جائز بإجماع، لأن فيه إعمال فعل ضمير متصل في مفسره وذلك ممتنع دون خلاف. وقد أخذ أكثر الناس هذا المثال على ظاهره، فمنهم من خطأ فيه سيبويه ومنهم من صوّبه وتكلّف تأويله. وأحسنهم مأخذا في التأويل أبو الحسن بن خروف فإنه قال: يقول سيبويه فقد أضفت القول إلى الرجل برُب كلام حسن، وهو كقوله فقد أضفت الكينونة إلى الدار بفي، وكقوله فقد أضفت إليه الرداءة بفي: قوله أنت في الدار، وفيك خصلة سوء فرب أوصلت القول إلى قليل الرجال وكثيرهم، كما أوصلت في الكينونة إلى الدار واستقرار الرداءة إلى المخاطب. وموضع المخفوض برب مبتدأ ويقول خبره، فكأنه على تقدير: كثير من الرجال يقول ذلك، ولا يخفى ما في هذا من التكلف.
وقد يُسرّ لي بحمد الله تخريجه بوجه لا تخطئة فيه ولا تكلف، وذلك بأن يجعل "يقول" مضارع قال بمعنى فاق في المقاولة، ويجعل ذلك فاعلا أشير به إلى مرئي أو مذكور كأنه قال: رُبّ رجل يفوق ذلك الرجل في المقاولة. فبهذا التخريج يؤمن الخطأ والتكلف ويثبت استغناء مجرور رب عن الوصف وكون ما دخلت عليه يلزم