للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفرط يُضعف القُوى والبدن، وإنما يَقْوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء لا بحسب كثرته، ولما كان في الإنسان جزء أرضيّ وجزء مائي، وجزء هوائي.

قسم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - طعامه وشرابه ونفسه إلى الأجزاء الثلاثة، فإن قيل: فأين الحظ الناري؟ قيل: هذه مسألة خلاف.

فمن النَّاس من قال: ليس في البدن جزء ناري، وعليه طائفة من الأطبَّاء وغيرهم، ومنهمِ من أثبته, انتهى (١).

وقال صاحب «مرقاة المفاتيح»: والمعنى: فإن كان لا يكتفي بأدنى قوت ألبتة، ولا بد أن يملأ بطنه، فليجعل ثلث بطنه للطعام، وثلثه للشراب، وليترك ثلثًا خاليًا بخروج النفس، ولا ينبغي أن يكون كطائفة القلندرية حيث يقولون: بملء البطن من الطعام، والماء يحصل مكانه ولو في المسام والنفس إن اشتهى خرج وإلا فلا بعد تمام المرام، فأولئك كالأنعام بل هم أضل قال تعالى: يَاكُلُوا يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ (((((((((((} [الحجر:٣]، وسبق: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَاكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرَ يَاكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» (٢).

وقال الطيبي -رحمه الله-: أي: الحق الواجب أن لا يتجاوز عما يقام به صلبه ليتقوى به على طاعة الله، فإن أراد ألبتة لتجاوز فلا يتجاوز عن القسم المذكور، جعل البطن أولاً وعاء كالأوعية التي تتخذ ظروفًا لحوائج البيت توهينًا لشأنه، ثم جعله شر الأوعية؛ لأنها استعملت فيما هي له، والبطن خلق؛ لأنه يتقوم به الصلب بالطعام وامتلاؤه يفضي إلى الفساد في الدين والدنيا، فيكون شرًا منها.


(١) انظر: قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي (٢/ ٥٧٩، ٥٨٠).
(٢) أخرجه البخاري (٥٣٩٧)، ومسلم (٢٠٦١).

<<  <   >  >>