للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشيخ أبو حامد: في الجوع عشر فوائد: الأولى: صفاء القلب وإيقاد القريحة ونفاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخار في الدماغ، كشبه الشبكة حتى يحتوي على معادن الفكر، فيثقل القلب بسببه عن الجولان.

وثانيها: رقة القلب وصفاؤه الذي به هيئ لإدراك لذة المناجاة والتأثر بالذكر.

وثالثها: الانكسار والذل وزوال المطر والأشر والفرح الذي هو مبدأ الطغيان، ولا تنكسر النفس لشيء ولا تذل، كما تذل بالجوع، فعنده تستكن لربها وتفيق على عجزها.

ورابعها: أنه لا ينسى بلاء الله وعذابه وأهل البلاء، فإن الشبعان ينسى الجائعين والجوع.

وخامسها: وهي من كبار الفوائد كسر شهوات المعاصي كلها، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، وتقليلها يضعف كل شهوة وقوة والسعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه.

وسادستها: دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع شرب كثيرا، ومن كثر شربه كثر نومه، وفي كثرة النوم ضياع العمر، فوات التهجد، وبلادة الطبع، وقساوة القلب، والعمر أنفس الجواهر، وهو رأس مال العبد، فيه يتجر، والنوم موت فتكثيره تنقيص من العمر.

وسابعتها: تيسير المواظبة على العبادة، فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات ; لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل بالأكل، وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام أو طبخه ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلاء ثم يكثر تردده إلى بيت الماء، ولو صرف هذه الأوقات في الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه. قال السري: رأيت مع علي الجرجاني سويقا يستف منه فقلت: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة.

وثامنتها: من قلة الأكل صحة البدن، ودفع الأمراض، فإن سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق، ثم المرض يمنع عن العبادات، ويشوش القلب، ويحوج إلى الفصد والحجامة والدواء والطبيب، وكل ذلك يحتاج إلى مؤن، وفي الجوع ما يدفع عنه كل ذلك.

<<  <   >  >>