للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه هذا القول هو: أنه مغلوب على هذا الفعل فصار بمثابة من أكره على الأكل؛ ولأنه واصل إلى جوفه من غير قصده فوجب أن لا يفطر، أصله الذباب إذا طار إلى حلقه؛ ولأن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه، ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال لا يفطر، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة بالاختيار، وهذان القولان في صوم الفرض، والنفل سواء.

وحكي عن الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى، وهو قول ابن عباس: أنه إن توضأ لنافلة أفطر، وإن توضأ لفريضة لم يفطر؛ لأنه في الفريضة مضطر، وفي النافلة مختار، وهذا خطأ من وجهين:

أحدهما: إنه في الطهارتين غير مضطر إلى المضمضة والاستنشاق؛ لأنهما سنتان في الطهارتين معًا.

والثاني: إن حكم الفطر في الاضطرار والاختيار سواء؛ لأنه لو أجهده الصوم فأكل خوف التلف أفطر، ولو ابتدأ الأكل من غير خوف أفطر، فدل على أن لا فرق بين الموضعين، والله أعلم (١).

مسألة:

إذا تمضمض فدخل الماء في حلقه:

فعند الحنفية والمالكية والشافعية في قول: يبطل الصوم ويلزم القضاء دون الكفارة؛ لأن الخطأ عذر لا يغلب وجوده بخلاف النسيان فإنه عذر غالب؛ ولأن الوصول إلى الجوف مع التذكر في الخطأ ليس إلا لتقصير في الاحتراز فيناسب الفساد، إذ فيه نوع إضافة إليه بخلاف النسيان.

ومذهب الحنابلة وقول عند الشافعية: عدم البطلان مطلقًا؛ لأنه وصل إلى جوفه بغير اختياره، فلم يبطل صومه كغبار الطريق وغربلة الدقيق والذباب.


(١) انظر: الحاوي الكبير للماوردي (٣/ ٤٥٧، ٤٥٨).

<<  <   >  >>