للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها.

وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع، وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده، وقد ذكرنا فيما تقدم حديث سلمان وفيه: «وهو شهر المواساة» (١)، فمن لم يقدر فيه على درجة الإيثار على نفسه فلا يعجز عن درجة أهل المواساة.

كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون، كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا.

واشتهى بعض الصالحين من السلف طعامًا وكان صائمًا فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال عبده المعدم من الحسنات فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا.

وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائمًا، وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعًا ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم، سلام الله على تلك الأرواح رحمة الله على تلك الأشباح لم يبق إلا أخبار وآثار كم بين من يمنع الحق الواجب عليه وبين أهل الإيثار (٢).


(١) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (٣٢١).
(٢) انظر: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (١٦٦ - ١٦٩).

<<  <   >  >>