وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، فأما من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فقال:«ذاك لا يتوسد القرآن» يعني: لا ينام عليه فيصير له كالوسادة.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «ينبغي لقارىء القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون».
قال محمد بن كعب: كنا نعرف قارىء القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده.
قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي وصحب رجل رجلا شهرين فلم يره نائمًا فقال: مالي لا أراك نائما قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.
قال أحمد أبي الحواري: إني لأقرا القرآن وأنظر في آيه فيحير عقلي بها وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله وأما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا أنشد ذو النون المصري:
(١) أخرجه أحمد في «المسند» (٢٢٩٥٠)، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.