للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات .. مالي شغل سواه مالي شغل .. ما يصرف عن قلبي هواه عذل .. ما أصنع أجفان وخاب الأمل ... مني بدل ومنه مالي بدل.

فمعنى الإعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق؛ للإتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الإنقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.

كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني (١).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ» (٢).

لماذا اعتكف النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين؟

قال ابن حجر -رحمه الله-: قيل: السبب في ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل؛ ليلقوا الله على خير أحوالهم.

وقيل: السبب فيه أن جبريل - عليه السلام - كان يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين؛ فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين، ويؤيده أن عند ابن ماجه عن هناد عن أبي بكر بن عياش في آخر حديث الباب متصلاً به: «وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين».


(١) انظر: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (١٩٠، ١٩١).
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (٨٤٣٥).

<<  <   >  >>