الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمده حتى يرضى، ونحمده إذا رضي، ونحمده بعد الرِّضا، فالحمد لله الذي حفظ لنا هذا الدين وهدانا إليه، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، شرع لنا خيرَ ملةٍ في العالمين، فهدانا بها الصراط المستقيم، وأنزل علينا الكتاب ومثله معه على خير الرسل أجمعين، الذي أوتي جوامع الكلم واختُصِرَ له الكلام اختصارًا، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه من نصروا هذا الدين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد؛ فإن من نعم الله علينا أن حفظ لنا الكتاب المبين، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]
وإنَّ من لازم حفظِ الله لكتابه حفظَه سبحانه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم التي أنزلت معه، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)} [الجمعة: ٢].
فحفظ الله سُنَّته صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر في صدور الرجال، ثم حفظت في كتب مصنفةً موصولةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اعتنى العلماء بالسنة حفظًا، وتدوينًا، وجمعًا، واختصارًا؛ فألَّفوا في ذلك الجوامع والمختصرات.
وإن ممَّا اعتنى به العلماء قديمًا: جمع أحاديث أربعينيةٍ، سواء كانت هذه الأربعينات في أصول الدين عامة، أو في بعض الفروع؛ كأبواب الجهاد، أو الزهد، أو الخطب، ونحو ذلك.
وإن من الكتب العظيمة في هذا الباب: كتاب "الأربعين النووية" للإمام النووي رحمه الله تعالى (ت ٦٧٦ هـ)، جمع فيه مصنِّفه رحمه الله تعالى جملةً من الأحاديث الجوامع، وأصلها كتاب الإمام ابن الصلاح -رحمه الله- "الأحاديث الكلية" واشتمل على ستة وعشرين حديثًا، إلا أنَّ الإمام النَّووي -رحمه الله- زاد عليها تمام اثنينِ وأربعين