للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره" فأباح جماعةٌ منهم الشافعيُّ رضي الله تعالى عنه -في القديم- للجار أن يضع جذوعه على جدار جاره كرهًا عليه؛ لهذا الحديث، وقال الشافعيُّ في الجديد: ليس له ذلك، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار مع حديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس وحديث: "وأموالكم عليكم حرام", فإن قلت: هذا يشكل على ما قدمته من تخصيص عموم: "لا ضرر" بما مر، فلم لم يخصَّ بخبر: "لا يمنع أحدكم جاره" لأنه خاص؟ قلت: كان القياس ذلك, لو سُلِّم مما اشتمل عليه من احتمال أنَّ الضمير في "جداره" راجع للجار؛ أي: لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جدار نفسه، ومع هذا الاحتمال لا يقوى على التخصيص، فأخذنا بعموم: "لا ضرر"، و"لا يحل مال امرئٍ مسلم" وغيرهما؛ لأنها أقوى منه) (١).

وقال في صدد الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (ويشترط لجوازه ألا يؤدِّي إلى شهرِ سلاحٍ، ومن ثَمَّ قال إمام الحرمين: (ويسوغ لآحاد الرَّعيَّة أن يصُدَّ مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصبِ قتالٍ وشهرِ سلاحٍ، فإن انتهى إلى ذلك ربط بالسلطان، قال: وإذا جار والي الوقت وظهر ظلمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحَلِّ والعقد التواطؤ على خلعه. انتهى، قال المصنف: وما ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه, ولوجوبه تارة وجوازه أخرى: ألا يخاف على نفس، أو نحو عضو، أو مال له أو لغيره, وإن قلَّ مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع) (٢).


(١) الفتح المبين بشرح الأربعين (٥٢٠).
(٢) الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: ٥٤٢).

<<  <   >  >>