للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث قال: (إنْ صحَّ الجزم فيه كان جزاءًا لشرْط محذوفٍ تقديره: أخبرنِي بعملٍ إنْ عملتُه يُدخِلْني الجنة، والجملةُ الشرطيَّةُ بأسرِها صفةٌ لعملٍ أو جوابًا لِلأمر، وتقريره: أنَّ إخبارَ الرَّسول لمَّا كان وسيلةً إلى عمله، وعملُهُ ذريعةً إلى دخول الجنَّة، كان الإخبارُ سببًا بوجهٍ مَّا لإدخال العملِ إيَّاه الجنَّة) (١).

فإنْ قيل: إذا جُعل (يُدْخِلْني) جواب الأمر يَبقَى (بعملٍ) غير موصوف، والنكرة غير موصوفَةٍ لا تفيدُ! ، فالجوابُ: أن التَّنكيرَ فيه للتفخيم أو النَّوع، أي: بعملٍ عظيمٍ، أو معتبرٍ في الشرع، بقرينة قوله الآتي: (سألتَنيْ عنْ عظيمٍ)؛ ولأنَّ مثلَ معاذ (٢) لا يَسْأل مَن مِثلَ المصطفى صلى الله عليه وسلَّم عمَّا لا جدوى له.

قال الطيبيُّ (٣): (والحاصل أنَّ في مثل هذا مذهبين:

أحدهما: مذهبُ الخليل (٤) وهو أن يجعَلَ الأمرُ بمعنى الشَّرطِ، وجوابُ الأمر جزاءً.

والثاني: مذهب سِيبوَيه (٥) وهو أنَّ الجوابَ جزاءُ شرطٍ محذوفٍ (٦)، وعلى


(١) انظر: تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (١/ ٦٦).
(٢) في الأصل: مثل حاذ! .
(٣) الطيبي هو: الحسين بن محمد بن عبد الله الإمام المشهور، قال ابن حجر: كان ذا ثروةٍ من الإرث والتجارة فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى أن كان في آخر عمره فقيرًا، كان مقبلًا على نشر العلم آيةً في استخراج الدَّقائق من القرآن والسنن، شرح الكشَّاف شرحًا كبيرًا، وأجاب عمَّا خالف مذهب السنة أحسن جواب، يعرف فضلهَ من طالعه، وتوفِّي سنة ٧٤٣ هـ. انظر: الدّرر الكامنة (٢/ ١٨٦) والبدر الطالع (١/ ٢٢٩).
(٤) الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي البصري، أبو عبد الرحمن، صاحب العربيَّة والعروض، وكان الغاية في استخراج مسائل النَّحو وتصحيح القياس فيه؛ وهو أول من استخرج العروض، وحصر أشعار العرب بها، وهو أستاذ سيبويه، توفي سنة (١٧٥) على قولٍ. انظر: بغية الوعاة (١/ ٥٥٨).
(٥) سيبويه هو: عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين سيبويه أبو بشر، ولقب سيبويه، ومعناه رائحة التفاح؛ قال الأزهري: كان سيبويه علَّامة، حسن التصنيف، جالس الخليل وأخذ عنه؛ وما علمت أحدًا سمع منه كتابه هذا؛ لأنه احتُضِر، وقد نظرت في كتابه، فرأيت فيه علمًا جمًّا. ومات سنة (١٨٠) هـ. انظر: بغية الوعاة (٢/ ٢٣٠).
(٦) ذكر الشاطبي في المقاصد الشافية (٦/ ٧٢): أنهم (اختلفوا في الجازم ما هو؟ فمنهم من جعل الجزم بـ (إن) مقدرة، كأنه قال: إن تكرمني أكرمك، ثم وضع الأمر موضع الشرط، ومنهم من جعل الجزم بنفس الأمر، لما تضمن من معنى الشَّرط، وكلام سيبويه يحتمل الأمرين، وهو أظهر في الثاني، وإليه ذهب المؤلف [ابن مالكٍ]، واختار ابنه الأول، والخطب في المسألة يسيرٌ، وكلاهما محتمل مما يقال به، فلا حاجة إلى الإكثار).

<<  <   >  >>