جبل فيه خرج طارق بن زياد ومنه افتتح الأندلس، وهو عند الجزيرة الخضراء، وبجبل طارق مرسى مكن من كل ريح، وبه غريبة، وهو غار هناك يعرف بغار الأقدام، يرى من البطحاء التي تلي الغار أثر قدمٍ أبداً وليس هناك طريق ولا منفذ إلى غير الغار، وقد مسحت تلك البطحاء وسويت، ثم أتوها من الغد، فوجدوها فيها أثر القدم، جرب ذلك مراراً.
وكان أحد خلفاء بني عبد المؤمن أمر ببناء مدينةٍ على جبل طارق، فندب إليها البنائين والنجارين وقطاع الحجر للبنيان والجيار من كل بلدة، وخطت فيه المدينة وقدم إليها من المال ما يعجز كثرةً، واتخذ فيها الجامع وقصراً له، وقصوراً تجاروه للسادة بنيه، وتولى العمل في ذلك، وأقطع أعيان وجوه البلاد فيه منازل، نظروا في بنائها، بعد إن حفروا في سفح الجبل مواضع نبع فيها الماء، وجمع بعضها إلى بعض حتى سال منها جدول عم المدينة لأنفسهم ومواشيهم، من أعذب الماء وأطيبه، يصب في صحنٍ عظيمٍ اتخذ له، وأجرى إلى الجنات المغترسة بها عن أمره، فللحين ما جاءت مدينة تفوت المدن حسناً وحصانةً، لا يدخل إليها إلا من موضع واحدٍ، قد حصن بسور منيع من البنيان الرفيع، وسميت بمدينة الفتح، وقالت الشعراء فيها، ثم جاز إليها في سنة ٥٥٦، وورد الوفود عليه هناك، فتلقاهم بالتكرمة، وفت ذلك في عضد العدو.