أن صاحب قشتالة شن الغارات على بلاد المسلمين بالأندلس شرقاً وغرباً في يوم واحدٍ، وعم ذلك جهة إشبيلية ونواحيها، فامتعض من ذلك ثم تحرك من حضرته مراكش إلى الأندلس واستقر بإشبيلية فأعرض الجند وأعطى البركات، ثم نهض في الحادي عشر من جمادى الأخرى ووصل قرطبة فروح بها فالتقى الجمعان بجسر الأرك والتحم القتال فانهزم العدو وركبهم بالسيف من ضحى يوم الأربعاء تاسع شعبان إلى الزوال وانتهب محلة الروم وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً، واستشهد من المسلمين دون الخمسمائة، وأفلت إذ فونش واجتاز على طليطلة لا يعرج على شئ في عشرين فارساً، وحصر المسلمون فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف فصالحوا بقدرهم من أسارى المسلمين.
وسمعت من يحدث أن هذا الفتح كان اتفاقيا بسبب إحراز الروم بعض رايات المسلمين وذهابهم بها قائمةً منتصبةً وانبعاث حفائظ بعض القبائل لما عاينوا راية إخوانهم مقدمةً على العدو، وإذ ظنوا أن أصحابهم حملوا على العدو فأوغلوا وهم لا يعلمون الحال، وكيفما كان فهو فتح مبين ونصر مؤزر.
ثم رجع المنصور إلى إشبيلية ظافراً فأقام مدة ثم غزا بلاد الجوف فحاصر ترجاله ونزل على بلنسية ففتحها عنوةً، وقبض على قائدها يومئذ مع مائة وخمسين من أعيان كفارها، ووجههم إلى خدمة بناء الجامع الكبير بسلا مع أسارى الأرك، ثم انتقل إلى طلبيرة ومكادة فخربهما، ثم برز على طليطلة فشن عليها الغارات، ثم نازل مجريط وشرع في القفول، فأخذ على جيان إلى قرطبة إلى