بالأندلس، مرسى المنكب صيفي يكن بشرقيه، وله نهر يريق في البحر، وعليه حصن كبير لا يرام، به ربض وسوق وجامع، وفيه آثار للأول كثيرة وكانت لهم فيه مياه مجلوبة وآبار فيسقى بهتا إلى اليوم؛ وبقرب الحصن من ناحية الشمال ديماس عظيم، مبنى من حجارةٍ، مربع الأسفل محدد الأعلى، ارتفاعه نحو مائة ذراع، في رأسه منفس للماء المجلوب إليه، وقد نحت في عرض جهة الديماس الجنوبية من أعلاه إلى أسفله، فصب الماء حتى وصل إلى الأرض فدل أن الماء كان مجلوباً من موضعٍ هو أرفع من هذا الصنم.
وبهذا المرسى خرج الإمام عبد الرحمن بن معاوية عند دخوله الأندلس، وذلك في ربيع الأول من سنة ١٣٨، ويتلو مرسى المنكب مدينة حسنة متوسطة كثيرة مصايد السمك، وبها فواكه جمة.
قال بعض أهل الأخبار ما هو كالتفسير لما قدمناه: في وسط المنكب بناء مربع كالصنم، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، وبه حفيران من جانبيه، متصلان من أسفله إلى أعلاه، وبإزائه من الناحية في الأرض حوض كبير يأتى إليه الماء من نحو ميلٍ على ظهر قناطر كثيرةٍ معقودةٍ من الحجر الصلد، ينصب ماؤها في ذلك الحوض؛ ويذكر أهل المعرفة من أهل المنكب أن ذلك الماء كان يصعد به إلى أعلى المنار، وينزل إلى الناحية الأخرى، فيجرى هناك إلى رحى صغيرةٍ كانت، وبقي أثرها الآن، على جبلٍ مطلٍ على البحر، ولا يعلم ما المراد بذلك، ومن المنكب إلى غرناطة أربعون ميلاً.